في مدح الكتب والحث على جمعها
أقوال في مدح الكتب والكتابة
قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿1﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿4﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿5﴾. فأضاف تعليم الكتابة إلى نفسه وامتن به على عباده وناهيك بذلك شرفا. وقال جل وعز ﴿ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿1﴾ فأقسم بما يسطرونه. ويروى أن سليمان عليه السلام سأل عفريتا عن الكلام فقال: ريح لا يبقى! قال: فما قيده؟ قال:الكتابة. وفي مدح الكتابة والكتب صيغت الأشعار والنثور المخلدة.
فقال عنترة بن شداد:
الخَطّ يَبْقى زَمَانًا بَعْدَ صاحِبِهِ وصاحِبُ الخَطّ تَحْتَ الأرْضِ مَدْفُون
وقال أبو الطيب المتنبي:
أعَزُّ مَكانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سابحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزّمانِ كِتابُ
وقال أحمد شوقي:
أَنا مَن بَدَّلَ بِالكُتبِ الصِحابا لَم أَجِد لي وافِياً إِلّا الكِتابا
وقال العقاد:
لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة ولكنى أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني.
أعظم من مدح الكتب
وإن قمنا باستعراض تاريخنا الأدبي باحثين عن أبلغ من كتب في مدح الكتب فإن مجد الصدارة ينتهي بين يدي الملقب بإمام الأدب -الجاحظ-. وهو غني كل الغنى عن التعريف لأنه أحد أعظم رموز الأدب في العصور الإسلامية. فالجاحظ واسع الشهرة، كثير المؤلفات، عرف بجمال قلمه وتفرد أسلوبه. وكان مهووسا بالقراءة منذ صغره فكانت أمه تتملل من طول انشغاله بالكتب. كان يعمل في النهار ويكتري دكاكين الوراقين في الليل وكان يلتهم كل ما يقع تحت يديه من كتب. وكان ذكيا لماحا سريع الحفظ. وقد وضع رسالة عنوانها (في مدح الكتب والحث على جمعها) صاغ فيها بأبهى العبارات الأدبية أعذب الثناء وأجزل المديح وأدق الأوصاف. حتى قيل أن أحدا لن يعبر في حب الكتب ما عبره الجاحظ. والظريف أن هذه الرسالة كانت ردا متحمسا منه على رجل عاب عليه جمعه للكتب. ربما أغفل الجاحظ ذكر اسم هذا الرجل عن قصد لكن إليه نشكر فضل تسطير هذه التحفة الأدبية.
رسالة الجاحظ منحوتة في أوروبا
مكتبة جامعة واراسو تحفة معمارية وأحد أجمل المعالم السياحية في أوروبا. أمام واجهة المكتبة ألواح على شكل الكتب نحتت عليها كتابات عريقة لأدباء، وعلماء، ومؤلفي موسيقى من شتى اللغات. واللوح الوحيد المكتوب بالعربية هو اللوح الذي يحمل كلمات رسالة الجاحظ. أنوه أنني جمعت هذه الصور بفضل مساعدة أمينة المكتبة إيلينا نيلواسجكا (Lilianna Nalewajska) وزوجها إيكور ستروجيكي (Igor Strojecki). أنا لم أزر واراسو قط ولكني أنوي ذلك إن شاء الله. تواصلت مع أمينة المكتبة بالمراسلة وقامت هي وزوجها مشكوران بالتقاط الكثير من الصور تلبية لطلبي:
ذكر الدليل الإرشادي للجامعة أن الأساتذة هم من اختار القطع التي نحتت على الألواح. فبحثت عمن اختار لوح الجاحظ ووجدت أنها امرأة تدعى كريستينا سكارزينسكا (Krystyna Skarzynska) وهي بروفسورة في قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة واراسو. ولها مؤلفات عديدة في تاريخ الأدب الإسلامي. أما نحت الأحرف على اللوح فقد قام به يعقوب الخميسي (Jakub Al-Khamissy).
ترجمة الرسالة
لايسع الإنكليزية حمل جمال العربية ولكنني استحتسنت ترجمة هذا الجزء كثيرا:
A book is a master who does not fail you when you need him; when you lay a book aside, it does not stop giving you profits and teaching you; if you fall from its grace, it still continues to obey you, and if the wind sets fair for your enemies it does not turn against you. Form any kind of bond or attachment to it, and you will be able to do without everything else; you will not be driven into bad company by boredom or loneliness. A book, when studying it, prolongs your pleasure, sharpens your mind, loosens your tongue, lends swiftness to your nature and emphasis to your words, gladdens your mind, fills your heart and enables you to win the respect of the lowly and friendship of the mighty. You will get more knowledge out of one in a month than you could acquire from men’s mouths in long years -and that at a saving in expense, without resorting to individuals inferior to you in mortal qualities and nobility of birth, and free from you associating yourself with odious or stupid people.
مخطوط الرسالة بقلم الخطاط ابن البواب
اجتهدت في البحث حتى وجدت نسخة ضوئية لمخطوط الرسالة بقلم أبو الحسن علي بن هلال المعروف بـابن البواب. وفي آخر المقال روابط لتنزيل الملف.
النص كاملا بالتشكيل | رسالة في مدح الكتب والحث على جمعها
قالَ أبو عثمانَ عَمْرُو بنُ بحرٍ الجاحظُ لِعَــائبٍ عَلْيهِ كُتُبَهُ عِبْتَ الكِتَابَ وَنِعْمَ الذُخْرُ والعُقْدَة و نِعْمَ الجَليسُ والعَمْدةُ ونِعْمَ النُشْرةُ والنُزْهةُ ونِعْمَ الْمُسْتَغَلُّ والحِرْفَةُ ونِعْمَ الأنيسُ ساعَةَ الوَحْدةِ وَنعْمَ المَعْرِفَةُ بِبِلادِ الغُرْبَةِ ونِعْمَ القَرِينُ والدَّخِيلُ والوَزِينُ والنَّزِيلُ والكِتابُ وِعاءٌ مُلِىءَ عِلْماً وظَرْفٌ حُشِىءَ ظُرْفاً وإنَاءٌ شُحِنَ مُزَاحاً وجِدّاً إنْ شِئْتَ كانَ أبْيَنَ مِن سَحْبان وائلٍ وإنْ شِئْتَ كان أَعْيا مِنْ باقلٍ وإنْ شِئْتَ ضَحِكْتَ مِنْ نَوادِرِه وعَجِبْتَ مِنْ غَرائِبِ فَرائِدِه وإنْ شِئْتَ شَجَتْكَ مَوَاعِظهُ ومَن لَكَ بِواعِظٍ مُلْهٍ وبِبارِدٍ حارٍ ومَنْ لِكَ بطبيبٍ أعرابي وبِرُوميِّ هِنْديّ وبِفارِسيِّ يُونَانيّ وبِقَدِيمٍ مُولَّدٍ وبِمَيِّتٍ مُمَتَّعٍ بِه وَمَنْ لَكَ بِشَىءٍ يَجْمَعُ لَكَ الأوَّلَ والآخِرَ والنَّاقِصَ والوافِرَ والشَّاهِدَ والغائِبَ والحَسَنَ وضِدَّهُ وبَعْدُ فَمَتى رَأيْتَ بُسْتاناً يُحْمَلُ في رُدْنٍ وَرَوْضةً تُقَلَّبُ في حِجْرٍ و ناطِقاً يَنْطِقُ عَنَ المَوْتَى ويُتَرْجِمُ كَلامَ الأَحْياءِ ومَنْ لَكَ بِمؤنِسٍ لايَنامُ إلاّ بِنَوْمِكَ ولاَ يَنْطِقُ إلاّ بِمَا تَهْوَى آمَنُ مِن الأرْضِ وأكْتَمُ لِلسرِّ مِنْ صَاحبِ السِّرِ وأَضْبَطُ لِحِفْظِ الوَدِيعةِ مِنْ أَرْبابِ الوَدِيعةِ وأحْضَرُ لِمَا اسْتُحْفِظَ مِنَ الأُميّينَ ومِنْ الأَعْرابِ المُعْرِبينَ بَلْ مِنَ الصِّبْيانِ قَبْلَ اعْتِراضِ الأشْغَالِ حِيْنَ العِنايةُ تامَّةٌ لَمْ تَنْتَقِص و الأَذْهانُ فارِغَةٌ لم تَنْقَسِمْ والإراداتُ وافِرةٌ لم تَتَشَعَّبْ والطيِّنَةُ ليِّنةٌ فهي أقْبَلُ ما تَكُونُ لِلطَّابع والقضِيب رّطْبٌ فهو أقْرَبُ مايَكونُ مِنَ العُلوقِ حِيْنَ هذِهِ الخِصَالُ لَمْ يُخْلَقْ جَدِيدُهَا ولَمْ تَتَفَرّقْ قُواها و كانَتْ كَقَوْلِ الشّاعِرِ أتاني هَواها قَبْلَ أنْ أعرِفَ الهَوَى فَصادَفَ قَلباً فارغاً فَتَمكَّنا وقال ذو الرَّمَّةِ لعيسى بنِ عُمَرَ اُكْتُبْ شِعْري فَالكِتابُ أعْجَبُ إليّ مِنَ الحِفْظِ لأنّ الأعْرابيَّ يَنْسىَ الكَلِمةَ وقد تَعِبَ في طلَبَها يَوْماً ولَيْلةً فَيَضَعُ مَوْضِعَهَا كَلِمةً في وَزْنِها ثُمَّ يُنْشِدُهَا الناسَ والكتابُ لايَنْسى ولا يُبَدِّلُ كَلاماً بكلامٍ و عِبْتَ الكتابَ ولا أعْلَمُ جاراً أَبْرَّ ولا خليطاً أنْصَفَ ولا رَفيقاً أطْوَعَ ولا مُعلِّماً أخْضَعَ ولا صَاحِباً أظْهَرَ كِفايةً ولا أقَلَّ خيانَةً ولا أعْدَمَ غِيبةً ولا أكْثَرَ أُعْجوبةً وتَصَرُّفاً ولا أَقَلَ تَصَلُّفاً وتَكَلُّفاً ولا أكَفَّ عَنْ قِتَالٍ وشَغَبٍ ومِراءٍ مِنْ كِتابٍ ولا أعْلَمُ شَجَرَةً أَطْوَلُ عُمْراً ولا أجْمَعُ أمْراً ولا أطْيَبُ ثمرةً ولا أقْرَبُ مُجْتَنىً ولا أسْرَعَ إدْراكاً ولا أَوْجَد في كُلِّ إبَّانٍ مِنْ كتاب ولا أعْلَمُ نَتّاجاً في حَداثةِ سِنِّهِ وقُرْبِ ميلادِه وحُضورِ ذِهْنِهِ وإمكانِ وجُودِهِ يَجْمَعُ من التَدابير العَجيبةِ والعُلومِ الغَريبةِ ومِنْ آثارِ العُقولِ الصَّحيحةِ ومحمودِ الأذْهَانِ اللّطيفَةِ ومِنْ الأخبارِ عَنْ القرون الماضيةِ والبلادِ المُتَرَاخِيةِ والأمثالِ السَّايرةِ والأُممِ البايدةِ مايَجْمَعُ لَكَ الكتابُ والكتابُ مع خِفَّةِ ثِقَلِهِ وصِغَرِ حَجْمهِ صامتٌ ما أسْكتَّهُ وبَليغٌ ما اسْتَنْطَقْتَهُ ومَنْ لَكَ بِمُسامِرٍ لايَبْتَدئكُ في حالِ شُغُلِكَ ويَدْعُوكَ في أوْقاتِ نَشَاطِكَ ولا يُحْوِجُكَ إلى التَّجَمُلِ لَهُ والتَّذَمُمِ مِنْهُ و مَنْ لَكَ بِزائرٍ إنْ شِئْتَ جَعَلْتَ زيارَتهُ غِبّاو وِرْدَهُ خِمْساً وإنْ شِئْتَ لَزِمَكَ لُزومَ ظِلِّك و كانَ مِنْكَ مَكانَ بَعضِكْ والكِتابُ هُوَ الجَلِيسُ الّذيَّ لايُضْرِيكَ والصَّدِيقُ الّذيَّ لا يُغْرِيكَ والرّفِيقُ الّذيَّ لا يَمَلُّكُ والمُسْتَمْنِحُ الّذيَّ لا يَستَزِيدكُ والجَارُ الّذيَّ لا يَسْتَبْطِئُك والصَّاحبُ الّذيَّ لايُريدُ اسْتِخْراجَ ما عِنْدَكَ بالمَلَقِ ولا يُعامِلُكَ بِالمَكُرِ والخَدِيعةِ ولا يَخْدَعُكَ بالنِّفاقِ والكَذِبِ والكِتابُ هُوَ الّذيَّ إنْ نَظَرْتَ إلَيهِ أطالَ إمْتاعَكَ و شَحَذَ طِباعَكَ وبَسَطَ لِسانَك وجَوَّدّ بَيانَكَ و فَخَّمَ ألَفاظَكَ و نَجَّح نَفْسَكَ و عَمَّرَ صَدْرَكَ و مَنحَكَ تَعظِيمَ العَوَامِّ و صَداقَةَ المُلوكِ و عَرَفْتَ بِهِ في شَهْرٍ مَا لا تَعْرِفهُ في دَهْرٍ مِنْ أَفْواهِ الرِّجالِ مَعَ السَّلامَةِ مِنَ الغُرْمِ و مِنْ كَدِّ الطَّلَبِ و مِنْ الوُقُوفِ بِبابِ المُكْتَسَبِ بالتَّعْلِيمِ و بالْجُلوسِ بَيْنَ يَدى مَنْ أنْتَ أَفْضَلُ مِنْهُ خُلُقاً وأكْرمُ مِنْهُ عِرْقاً و مَعَ السَّلامَةِ مِنْ مُجَالَسَةِ البُغَضَاء و مُقارنةِ الأغبِياءْ وهُوَ الّذيَّ يُطِيعُكَ بِاللَّيْلِ طَاعَتهُ لَكَ بِالنَّهارِ و في السَّفَرِ طَاعَتهُ لَكَ في الحَضَرِ لا يَعْتَلُّ بِنَوْمٍ ولا يَعْتَرِيه كَلالُ السَّهرِ وهو المعلِّمُ الّذيَّ إنِ افْتَقَرْتَ إليْهِ لَمْ يَحْقِرْكَ و إنِ قَطَعْتَ عَنْهُ المَادَّةَ لَمْ يَقْطَعْ عَنْكَ الفائِدة و إنْ عُزِلْتَ لَمْ يَدَعْ طَاعَتَكَ وإنْ هَبَّتْ ريحُ أعْدائِك لَمْ ينْقَلِبْ عَلَيْكَ و متَى كُنْتَ مُتَعَلِّقاً مِنهُ بِأدْنَى حَبْلٍ لَمْ تَظْطَرَّكَ مَعَه وَحْشَةُ الوَحْدَةِ إلى جَلِيسِ السُّوءِ و لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضْلِهِ عَلَيْكَ و إحْسَانِهِ إلَيْكَ إلا مَنْعَهُ لكَ مِنَ الجُلُوسِ عَلى بَابِكَ وَالنَظَرِ إلى المَارّةِ بِكَ مَعْ مَا في ذَلِكَ مِنَ التّعَرُّضِ لِلحُقُوقِ الّذيَّ يَلْزَمُ و مِنْ فُضَولِ النَظَرِ و مِنْ عَادِةِ الخَوْضِ فيما لا يَعْنِيكَ و مِنْ مُلابَسَةِ صِغَارِ النَّاسِ و حُضُورِ ألْفَاظِهِم الرَّديِّةِ السَّاقِطَةِ و مَعانِيهِم الفَاسِدَةِ و أخْلاقِهِمْ السَّيَِئةِ و جَهَالتهِم المَذْمُومَةِ لَكانَ في ذلَكَ السَّلامَةُ و لَوْ لَمْ يَكُنْ في ذَلِكَ إلا أنَّهُ يَشْغَلُكَ عَنْ سُخْفِ المُنَى و عَنِ اعتِيادِ الرَّاحَةِ و عَنِ اللَعِبِ لَقَدْ كَانَ في ذَلَكَ عَلَى صَاحِبِه أَسْبَغُ النِّعْمَةِ و أعْظَمُ المِنَّةِ وقَال أبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُبْنُ المُثنَّى قَال المُهَلَّبُ لِبَنِيه في وَصِيِّتِهِ يابَنِيَّ لا تَقُوموا في الأسْوَاقِ إلا عَلى وَرَّاقٍ أوْ زَرَّادٍ وقَالَ شَيْخٌ قُرِىءَ عَلَيْهِ مآثِرُ غَطَفَانَ ذَهَبَتِ المَكارِمُ إلا مِنَ الكُتِبِ وَقَالَ غَيْرُهُ غَبَرْتُ أَرْبَعِينَ عَامَاً مَا قِلْتُ ولا بِتُّ ولا اتَّكَأْتُ إلا والكِتابُ مَوضُوعٌ عَلى صَدْرِي وفي حِجْرِي وقَالَ عَلِيَّ بنُ الجَهْمِ إذَا غَشِيَني النُّعَاسُ في غيْرِ وَقْتِ نَوْمٍ – وَبِئْس الشَّيءُ النَّوْمُ الفَاضِلُ عَنِ الحَاجَةِ – تَنَاولْتُ كِتاباً مِنْ كُتُبِ الحِكْمَةِ فَأَجِدُاهْتِزَازِي للأَرِيحيَّةِ والفَوائِدِ التي تَعْتَرِيني عِنْدَ الظَّفْرِ بِبِعْضِ الحَاجَةِ الّذي يَغْشَى قَلْبِي مِنْ سُرُورِ الاسْتِفادةِ وَتَيَقُّظِ العَقْلِ كَالمُتَيَقّظِ بِنَهِيقِ الحِمَارِ و هَدَّةِ الهَدْمِ و قَالَ مُحَمَّدٌ بنُ الجَهْمِ إذا اسْتَحَنْتُ الكِتابَ و رَجَوْتُ مِنْهُ الفَائِدةَ فَلَوْ تَرَاني و أنَا أنْظُرُ ساعةً بَعْدَ ساعة كَمْ بَقِي مِنْ وَرَقِهِ مَخَافةَ اسْتِنْفَادِهِ و انْقِطَاعِ المَادَّةِ مِنْ مِثْلِهِ وإنْ كَانَ الدَّفْتَرُ عَظِيمَ الحَجْمِ وكَانَ الوَرَقُ كَثيرَ العَدَدِ و قَالَ الإنْسانُ لا يُعْلَمُ حتَّى يَكُثُرَ سَمَاعُهُ ولابُدَّ مِنْ أنْ تَصِيرَ كُتُبُهُ أكْثَرَ مِنْ سَمِاعِهِ ولا يَعْلَمُ حتَّى يَجْمَعَ ولا يَجْمَعُ حتَّى يَكُونُ الإنْفاقُ عَلَيْهِ ممَّا لِعُدّتِهِ و مَنْ لَمْ تَكُنْ نَفَقَتُهُ التي تَخْرُجُ في الكُتِبِ ألَذَّ عِنْدَهُ مَنْ إنْفَاقِ عُشُّاقِ القِيَانِ و المُشْتَهرِين بالبُنيَان لَمْ يَبْلُغْ في العِلْمِ مبْلَغاً رَضِيِّاً وقَالَ ابْراهيمُ ابْنُ السِّنْديِّ وَدَدَتُّ بِالإنْفاقِ على الكُتُبِ و هَذَا دَلِيلٌ علَى شَرفِ النَّفْسِ و عَلى سَلامَتِها مِنْ سُكْرِ الآفاتِ وقَالَ أبُو عَمْرٍوبْنُ العَلاءِ مَادَخَلْتُ على رَجُلٍ قَطُّ ولا مَرَرْتُ بِبَابهِ فَرَأيْتُهُ يَنْظُرُ في دَفْتَرٍ و جَلِيسُهُ فارِغٌ إلا اعْتَقَدْتُ أنَّهُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأعْقَلُ و أرْشَدُ وقَالَ الخَلِيلُ بْنُ أحْمدَ لا يَصِلُ أحَدٌ مِنْ عِلْمِ النَّحْوِ إلى مَا يَحْتَاجُ إليْهِ حَتَّى يَتَعلَّمَ مَالا يَحْتَاجُ إليْهِ فإذا الّذي لا يُحْتَاجُ إليْهِ هُوَ الّذي يُحْتَاجُ إليْهِ إذا لَمْ يُوصَلْ إلى مَا يُحْتَاجُ إليْهِ إلا بِمَا لا يُحْتاجُ إلِيْهِ وقَدْ قَالَ النَّبَيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَيِّدُوا العِلْمَ بالكِتابِ كَتَبَهُ عَليّ بْنُ هِلالٍ حَامِداً للهِ تَعَالى عَلَى نِعَمِهِ و مُصَلَّياً على نَبِيِّهِ مُحَمّدٍ و آلِهِ و عِتْرَتِهِ.
لا توجد تعليقات بعد.