كيف كان عام 1444هـ ؟ | إنجازات ومقتطفات
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمد الشاكرين، الحمد لله ما حمده الحامدون، الحمد لله ما غفل عن ذكره الغافلون، الحمد لله دائما وأبدا، والحمد لله فوق كل شعور. اليوم هو آخر يوم في هذا العام – يوم الثلاثاء ثلاثون ذو الحجة 1444 هـ – لم يبق منه إلا ساعات ستطوى وتشرق الشمس عن عام جديد. عام مبارك ومثمر بإذن الله. ولا ينسيني الاستعداد للبدايات أهمية الوقوف على عتبة النهايات. أتأمل فيما مضى وأتعلم منه، فرأيت أن أقوم بكتابة هذه التدوينة لألخص فيها أبرز ما مررت به هذا العام. وبسم الله أبدأ:
ماذا قدمت للآخرة؟
كنت أشاور نفسي في إزالة هذه الفقرة ثم آثرت إبقاءها لتكون تذكرة لي ولغيري. في اليوم أربع وعشرون ساعة. وعندما أسأل نفسي كم ساعة أخرجت منها للقيام بعمل ينفعني في الآخرة؟ أمتلئ بشعور الحسرة والتقصير. هذا يوم واحد فكيف بالعام كله؟ لو وضعت أعمالي طوال العام على الميزان فهل سترجح كفة الحسنات على السيئات؟ كم نقصر في عمل الآخرة لهثا وراء الدنيا. نأتيها ليس معنا أي شيء، ثم نجري فيها نسعى وراء كل شيء، ونرحل عنها دون أي شيء، إلا العمل الصالح بإذن الله. ومادام باب العمل مفتوحا فلنسعى في التحضير للآخرة. لاندع يوما ينطوي علينا لم نجتهد فيه بـ:
- إقامة الصلاة على الوقت وتجويدها
- المداومة على الأذكار خاصة أذكار الصباح والمساء
- قضاء وقت مع الوالدين وإدخال السرور عليهما
- الاجتهاد في بذل الصدقات ومعاونة المحتاجين
ماذا قرأت
بدأت بالعبادة لأنها غذاء الروح وأتبعها بالقراءة لأنها غذاء العقل، يؤسفني أني لم أقرأ إلا النزر اليسير من الكتب هذا العام و أذكر منها:
هل يعرف المسؤولون عن التعليم في أوطاننا ابن خلدون؟ هل يعلمون أنه مؤسس علم الاجتماع؟ هل قرؤا له أي شيء؟ هؤلاء الذين يضعون المناهج ويراجعونها ثم يقرونها على عللها لتؤثر على حياة أجيال تتلوها أجيال، هؤلاء هل أعطوا نفسهم فرصة لقراءة مقدمة ابن خلدون؟ فقد أورد فيها أبوابا تتناول مسائل التربية والتعليم وتطرح علاجات لأكثر المشاكل شيوعا -مشاكل لم تحل حتى الآن – وإذا كانت قراءة كتاب المقدمة أمرا ثقيلا فقد لخصت الدكتورة أحميدة التعليم المفيد في مبحث قصير -لايتجاوز خمسة وسبعين صفحة-. وأضافت عليها تعليقات وشروحات ممتازة، حتى أنني أنهيته في يوم واحد من شدة اهتمامي. ولعلي أورد له تدوينة خاصة فيما بعد فهذا أكثر كتاب تأثرت به هذا العام.
اقتنيت الطبعة المعروفة بطبعة الطاووس من دار نشر (Easton Press) وهي من أفخم وأغلى الدور في الولايات المتحدة. لا أظن أن محبا وفيا لهذا الرواية قد يرضى بما دون هذه الطبعة الخلابة والتي حوت رسومات الفنان البديع (Hugh Thomson). التفاخر والتحامل رواية عزيزة على قلوب القراء من شتى الثقافات. ليس من السهل تصنيفها؛ أهي رواية رومانسية؟ أم هي هجاء مجتمعي؟ أم وعظ في الأخلاق والسلوك؟ من الصعب جدا أن تضع لها تصنيفا. والأصعب هو أن أصف مكانتها الخاصة في قلبي.
على خفته وضآلة حجمه إلا أنه فاجأني حقا. غطى موضوعات كثيرة وأساسية في الرسم مثل رسم الخطوط – التظليل – الأشكال الهندسية – والمنظور – وخط الأفق – وجسم الإنسان – وانتقاء الألوان – وأهم الأدوات. والفصل الأخير كان معجما لأهم المصطلحات الشائعة في فن الرسم. من أصدق الكتب عنوانا الـ”أبجدية” ، سلس الأسلوب، تقبله كل الأعمار. ومنذ قرأته صار أول ما أوصي به من يسألني مراجع عربية في الرسم.
كتاب أوصي به لكل من يريد أن يرقي كتابته الإنكليزية وأن يتعلم صوغ عبارات بليغة ورصينة. يميزه أنه ليس ككتب البلاغة المعتادة التي تغرق في الشروحات. بل هو أشبه بمسرد لقصاصات من الخطب والأقوال الشهيرة في التاريخ الغربي. وتحت كل مقولة شرح مبسط يبين نوع الأسلوب البلاغي وكيفية توظيفه. أوصي به مع التنبيه لكونه قد لا يناسب غير المتقدمين في اللغة الإنكليزية.
لطالما غبطت أمناء المكتبات على ما هم فيه من نعيم. يصبحون ويمسون حول الكتب، ولا يحتاجون إلى سماعات عزل الضجيج -لا أحسبهم يعرفون بوجود هذا الاختراع أصلا. فالمكتبات من المرافق الهادئة عند كل شعوب العالم. هادئة عند الشعوب الراقية لأنهم احترموها وهادئة عند الشعوب المتخلفة لأنهم هجروها. واليابانيون من أكثر الشعوب احتراما للمكتبات. وهذا الكتاب موجه للطالب الياباني في المرحلة الثانوية. وهو غزير بالمعلومات التي تشرح تخصص قسم المكتبات، أنواعها، طبيعة العمل فيها،دورها في الحي، والأنشطة التي تجرى فيها. وشدني في الكتاب التطور الرقمي وأنظمة البحث الإلكترونية.
يقول المؤلف في المقدمة: «هذا الكتاب ليس لضعاف القلوب. هذا الكتاب للشجعان، لأولئك الذين يملكون الإقدام على اكتشاف المساحات المجهولة في مخيلتهم. كما أن هذا الكتاب ممل جدا. إذ ليس بكتاب تقرأه في تراخي ، تتمدد على كنبتك المريحة، ستجده مليئا بالتمارين الجادة التي ينبغي أن تنفذ بالترتيب.» وكم صدق ردودلفو بارادي بوصفه هذا. أصنفه بثقة كأحد أكثر الكتب التي شحذت ملكة الخيال عندي. تمارينه صعبة، وتحتاج إلى الكثير من الصبر. كما أنصح قبل قراءته باقتناء لوح شطرنج صغير كالنوع القابل للطي الذي في الصورة لأنه يسهل التنقل به والتمرن في أوقات الفراغ.
قرأت هذا الكتاب بنسخة إلكترونية في الماضي وأحببت اقتناء نسخة مطبوعة مميزة جدا فقد تأثرت به كثيرا. وهذه النسخة من دار نشر (The Folio Society) البريطانية. فن الحرب كتاب مشهور جدا. وضعه الجنرال الصيني سون-تزو. وعلى الرغم من أن تاريخ تأليفه لم يرصد بشكل دقيق بعد؛ إلا أن التقديرات تشير إلى أنه قد كتب مئتي عام على الأقل قبل الميلاد. ومع قدمه وكونه كتابا عسكريا في المقام الأول إلا أنه صمد طويلا أمام اختبار الزمن وبقي مرجعا قيما يوصى به القادة والمسؤولون من مختلف المجالات. فما سره يا ترى؟ لعلي أجيب على هذا السؤال في تدوينة منفصلة إن شاء الله.
من الذين تأثرت بهم؟
هو الأستاذ أنور مصطفى حريري، من سوريا. مشهور بكونه أفضل عازف كمان عربي يتنفس حاليًا. عرف بأدائه الحساس ودقته المتناهية -ووفاءه للون العربي الأصيل. وبفضل خبرته التي تزيد عن خمسين عاما قام بتصميم منهج كمان عربي متكامل بمادة تعليمية مدونة ومسجلة بعد ظل تدريس الكمان العربي حبيس التعليم الشفهي في المدارس يعلم بالنقل والاحتكاك على مدار عقود. ولقد بدأت تعلم هذا المنهج الرائع والذي أسماه الكمان الساحر.
مهندس عراقي، مختص بفن الزخرفة الإسلامية على الأسلوب الأصيل -الذي أخذه عن أجداده منذ كان في الرابعة عشرة من العمر-. الزخارف فن إسلامي سرق قلوب الكثيرين من مختلف الشعوب. واهتم به الغربيون فدرسوه وحاولوا استنباط قواعد رسمه ووضعوا المؤلفات في ذلك إلا أنهم لم يفلحوا في ضبط القواعد بشكل صحيح. فالأسلوب المستحدث كثيرا ما ينتج أشكالا هندسية مشوهة وعديمة التناظر. فكان لابد أن تأخذ الفنون عن أهلها والأستاذ محمد ليس من «أهلها» فقط، بل سفيرها الأول، ولا أعلم أحدا عكف على خدمة فن الزخرفة الإسلامي في العهد الحديث أكثر من أستاذنا النجابي جزاه الله خيرا الجزاء.
ماذا اشتريت؟
سأذكر شيئا مشتريات الكتب والأجهزة التي نفعتني هذا العام:
ألف لنا الأستاذ أحمد الهاشمي الكثير من الجواهر في اللغة العربية. ولكنه اختار أن يسمي ثلاثًا منها بالجواهر وهي جواهر الإملاء، وجواهر الأدب، وجواهر البلاغة. وكتاب الإملاء بالذات كان صعب الإيجاد في طبعة كرتونية. ولكن وفقني الله إلى شراء الجواهر كلها من لبنان هذا العام.
الأحرف الخمسة هي الضاء، والضاد، والصاد، والذال، والسين. وإبدال واحد منها مكان الآخر يغير المعنى. فمثلا ما الفرق بين المظاظة والمضاضة؟ وبين الصنيع والسنيع؟ وبين اللص واللس؟ إن لم تحسن الإجابة فالكتاب لك.
تلفت لوحتي من طول الاستخدام فاقتنيت لوحة جديدة من طراز (IQUNIX F97 Hitchhiker) استجابة لتوصية أخي التي سعدت بها كثيرا. يميز اللوحة قرب المفاتيح من بعضها، وسهولة الضغط ،وقابلية البرمجة ،والاتصال اللاسلكي.
احتجت إلى سماعات عالية النقاء لأتقدم في دراستي الموسيقية. اسم هذا الطراز هو (Edifier S1000MKII) والشركة معروفة بتصنيع سماعات من الفئة العليا.
ماذا تعلمت؟
أقصد ماتعلمته هذا العام خارج إطار المطالعة في الكتب أو متطلبات الدراسة الجامعية. ويبدو أنني غلبت دراسة الفنون على غيرها هذا العام.
درست الكتابة الأدبية فترة الصيف في المركز المخصص بجامعة كامبريدج (Creative Writing Center). وأستغرب شيوع مصطلح «الكتابة الإبداعية» كترجمة حرفية دارجة على ألسن الناس! فالأصوب قول «الكتابة الأدبية»، إذ يقصد بها كل أنواع التأليف من روايات وأشعار وحوارات الحلقات وماشابهها. ويقابله الكتابة غير الأدبية وهي الكتابة المقيدة: كالكتابة الأكاديمية، والصحفية، والحرفية، والتقنية التي تخدم صنفا من العلوم. ومن الموضوعات التي درستها في المنهج:
- كيف تجد لك أسلوبا وهواية؟
- حول ماذا ستكتب؟
- قواعد في الحقوق الفكرية
- التعاطي مع الجماهير بما يناسب
- كيفية المداومة على النشر
- البحث عن المصادر والمراجع
تعرف أيضا باسم البيانو الصغير. وهي آلة ذات صوت رقيق جدا، يسهل تعلمها لدرجة أن أول لحن عزفته عليها كان (أنت عمري) للسيدة أم كلثوم. ولكونها سهلة الحمل، يمكن إخراجها في أي وقت لتجريب الألحان وتدريب السمع والإملاء الموسيقي.
كنت قد بيت النية لتطوير مهارتي في التدوين والإملاء الموسيقي. ولكني لم أرصد لذلك وقتا. ولما نزل الإصدار الرابع من برنامج (Musescore 4) أقيمت له دورة تدريبية مكثفة فاشتركت بها واستفدت منها كثيرا. غطت الدورة خصائص البرنامج بالإضافة إلى النظريات الموسيقية وقواعد التناغم اللحني.
درست مقررين هذا العام مع الأستاذ محمد الجنابي. المقرر الأول كان عن الزخارف الرباعية والثاني عن السداسية، وخرجت بفائدة كبيرة الحمدلله وتطور فهمي للهندسة وصرت قادرا على إتمام رسومات سليمة من حيث الأبعاد والتناظر بأدوات يدوية بالكامل. إن فن الزخرفة الإسلامية فن عبقري يفتح الأذهان. صار عندي شيء من الإدمان عليه. أقضي ساعات طويلة في الرسم دون أن أشعر. وأنوي أن أدرس مقرر الزخارف الخماسية هذا العام لأتقدم أكثر إن شاء الله.
ماذا أحزنني
لا يخلو عام من المنغصات والأحزان ومن أشدها كان وفاة أقوى خطاط في العالم، الأستاذ عباس البغدادي. توفي في الثاني عشر من شوال بعد صراعه مع المرض لأشهر طويلة. لقب في مقال لقناة الجزيرة بـ«آخر سلاطين الخط العربي».
الأستاذ البغدادي ليس خطاطا فحسب، بل فنان ومعلم للزخرفة الإسلامية. عين أستاذا لجمعية الفنون العراقية وحاز على عشرات الجوائز في العالم العربي. أعماله المبهرة كثيرة من أهمها كتابة المصحف، تخطيط المستندات والوثائق الرسمية وجوازات السفر وحفائظ النفوس وبعض فئات العملات في دول الخليج.
اللهم إن عباس في ذمتك، وحبل جوارك، فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق. اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم إنه تخلى من الدنيا وتركها لأهلها، وافتقر إليك واستغنيت عنه، وكان يشهد أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك، وكان يحب أن ينادى «بكاتب كلام الله» فاغفر له وتجاوز عنه يا أرحم الراحمين.
ماذا أفرحني
أفرحتني نعم الله علي التي لاتعد ولا تحصى فالحمدلله. الحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمدلله الذي خلق الأرض والسموات، الحمدلله الذي علم العثرات، فسترها على اهلهاوانزل الرحمات، ثم غفرها لهم ومحا السيئات، فله الحمد ملئ خزائن البركات، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات، وله الحمد ماتعاقبت الخطوات، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات، وعدد الحركات والسكنات.
وأفرحتني بعض الهدايا اللطيفة من صغار العائلة -ولا ينكر أحد أن لهدايا الصغار طعم أعذب-، وأفرحني التقدم الذي حققته في الدراسة والعمل هذا العام. وأفرحني إنشائي هذه المدونة التي أرجو أن يوفقني الله إلى تحقيق أهدافي منها.
لا توجد تعليقات بعد.